الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وركب السلطان بكرة يوم السبت ثالث شهر رجب إلى قلعة الجبل وجلس بالإيوان وهنأوه بالسلامة والظفر. وفي الحال كتب بإحضار الأمير شيخون وخرج جماعة من الأمراء بمماليكهم إلى لقائه. ونزلت البشائر إلى بيت شيخون وبيت بيبغا أرس وبيت منجك اليوسفي الوزير فكان يومًا عظيمًا وبات الأمراء تلك الليلة على تخوف. وأما شيخون لما ورد عليه الرسول بإطلاقه أولًا فإنه خرج من الإسكندرية وهو ضعيف وركب الحراقة وفرح أهل الإسكندرية لخلاصه. وسافر فوافاه كتاب الأمير صرغتمش بأنه إذا أتاك أيدمر بنيابة حماة لا ترجع وأقبل إلى القاهرة فأنا وطاز معك فلما قرأ شيخون الكتاب تغير وجهه وعلم أنه قد حدث في أمره شيء. فلم يكن غير ساعة حتى لاحت له حراقة أيدمر فمر شيخون وهو مقلع وأيدمر منحدر إلى أن تجاوزه وأيدمر يصيح ويشير بمنديله إليه فلا يلتفتون إليه. فأمر أيدمر بأن تجهز مركبه بالقلع وترجع خلف شيخون فما تجهز قلع مركب أيدمر حتى قطع شيخون بلادًا كثيرة وصارت حراقته تسير وأيدمر في أثرهم فلم يدركوه إلا بكرة يوم السبت. فعندما طلع إليه أيدمر وعرفه ما رسم به من عوده إلى حماة وقرأ المرسوم الذي على يد أيدمر برجوعه إلى نيابة حماة وإذا بالخيل على البر يتبع بعضها بعضًا والمراكب قد ملأت وجه الماء تبادر لبشارته وإعلامه بما وقع من الركوب ومسك مغلطاي ومنكلي بغا فسر شيخون بذلك سرورًا عظيمًا وسار إلى أن أرسى بساحل بولاق في يوم الأحد رابع شهر رجب بعد أن مشت له الناس إلى منية الشيرج فلما رأوه صاحوا ودعوا له وتلقته المراكب وخرج الناس إلى الفرجة عليه حتى بلغ كراء المركب إلى مائة درهم وما وصلت الحراقة إلا وحولها فوق ألف مركب. وركبت الأمراء إلى لقائه وزينت الصليبة وأشعلت الشموع وخرجت مشايخ الصوفية بصوفيتهم إلى لقائه فسار شيخون في موكب لم ير مثله لأمير قبله. وسار حتى طلع القلعة وقبل الأرض بين يدي السلطان الملك الصالح فأقبل عليه السلطان وخلع عليه تشريفًا جليلًا وقلع عنه ثياب السجن وهي ملوطة طرح محرر. ثم نزل إلى منزله والتهاني تتلقاه. ودام الأمر على ذلك إلى يوم الأربعاء سابع شهر رجب حيث رسم بإخراج الأمير بيبغا أرس حارس طير نائب السلطنة بالديار المصرية والأمير بيغرا. فنزل الحاجب إلى بيت آل ملك بالحسينية وبه كان سكن بيبغا المذكور وأخرج منه ليسير من مصر إلى نيابة غزة. وأخرج بيغرا من الحمام إخراجًا عنيفًا ليتوجه إلى حلب فركبا من فورهما وسارا. ثم رسم بإخراج الأمير أيدغدي الأمير آخور إلى طرابلس بطالًا. وكتب بالإفراج عن المسجونين بالإسكندرية والكرك. وفي يوم السبت عاشره ركب السلطان والأمراء إلى الميدان على العادة ولعب فيه بالكرة فكان يومًا مشهودًا. ووقف الناس للسلطان في المار الضامن ورفعوا فيه مائة قصة فقبض عليه وضربه الوزير بالمقارع ضربًا مبرحًا وصادره وأخذ منه مالًا كثيرًا. وفيه قبض على الأمير بيبغا ططر المعروف بحارس طير نائب السلطنة المتوجه إلى نيابة غزة في طريقه وسجن بالإسكندرية.
وهم سبعة نفر: منجك اليوسفي الوزير وفاضل أخو بيبغا أرس وأحمد الساقي نائب صفد وعمر شاه الحاجب وأمير حسين التتري وولده والأمير محمد بن بكتمر الحاجب. فركب الأمراء ومقدمهم الأمير طاز ومعه الخيول المجهزة لركوبهم حتى لقيهم وطلع بهم إلى القلعة فقبلوا الأرض وخلع السلطان عليهم. ونزلوا إلى بيوتهم فامتلأت القاهرة بالأفراح والتهاني. ونزل الأمير شيخون والأمير طاز والأمير صرغمتش إلى اسطبلاتهم وبعثوا إلى الأمراء القاعدين من السجن التقادم السنية من الخيول والتعابي القماش والبسط وغيرهما فكان الذي بعثه شيخون لمنجك خمسة أفراس ومبلغ ألفي دينار وقس على هذا. ثم في يوم الإثنين ثاني عشر شهر رجب خلع على الأمير قبلاي الحاجب وآستقر في نيابة السلطنة بالديار المصرية عوضًا عن بيبغا ططر حارس طير. وفي يوم الخميس خامس عشر شهر رجب قدم الأمير بيبغا أرس من سجن الكرك فركب الأمراء إلى لقائه وطلع إلى السلطان وقبل الأرض وخلع عليه ونزل إلى بيته فلم يبق أحد من الأمراء حتى قدم له تقدمة تليق به. ثم في يوم الإثنين تاسع عشره خلع على الأمير بيبغا أرس واستقر في نيابة حلب عوضًا عن أرغون الكاملي واستقر أرغون الكاملي في نيابة الشام عوضًا عن أيتمش الناصري. وخلع على أحمد الساقي شاد الشراب خاناه كان بنيابة حماة عوضًا عن طنيرق ورسم لطنيرق أن يتوجه إلى حلب أمير طبلخاناة بها ثم رسم بأن يكون بطالًا بدمشق. وفي يوم الأحد ثالث شعبان سافر بيبغا أرس وأحمد الساقي بعد أيام إلى محل كفالتهما. وفيه سأل الأمير منجك الإعفاء عن أخذ الإمرة في نيابة صفد وأن يقعد بطالًا بجامعه فأجيب إلى ذلك بسفارة الأمير شيخون واسترد أملاكه التي كان أنعم بها السلطان على المماليك والخدام والجواري ورمم ما تشعث من صهريجه واستجد به خطبة. ثم خلع السلطان على عمرشاه واستقر حاجب الحجاب عوضًا عن قبلاي المنتقل إلى نيابة السلطنة بديار مصر وأنعم على طشتمر القاسمي بتقدمة ألف واستقر حاجبًا ثانيًا وهي تقدمة بيغرا. وفيها أخرج جماعة من الأمراء وفرقوا بالبلاد الشامية وهم: الأمير طينال الجاشنكير وآقجبا وفي يوم السبت تاسع شعبان وصل الملك المجاهد صاحب اليمن من سجن الكرك فخلع عليه من الغد ورسم له بالعود إلى بلاده من جهة عيذاب وبعث إليه الأمراء بتقادم كثيرة وتوجه إلى بلاده. وكانت أمه قد رجعت من مكة إلى اليمن بعد مسكه وأقامت في مملكة اليمن ابنة الملك الصالح وكتبت إلى تجار الكارم توصيهم بابنها المجاهد وأن يقرضوه ما يحتاج إليه وختمت على أموالهم من صنف المتجر بعدن وتعز وزبيد. فقدم قاصدها بعد أن قبض على المجاهد ثانيًا وسجن بالكرك بعد أن كان رسم له الملك الناصر حسن بالتوجه إلى بلاده لأمر بدا منه في حق السلطان في الطريق فكتب مسفره يعرف السلطان بذلك. انتهى. ثم في يوم الإثنين ثاني عشر شعبان وصل إلى القاهرة الأمير أيتمش الناصري المعزول عن نيابة الشام فقبض عليه من الغد. ثم قدم الشريف ثقبة صاحب مكة في مستهل شهر رمضان بعد ما قدم قوده وقود أخيه عجلان فخلع السلطان عليه بإمرة مكة بمفرده. واقترض ثقبة من الأمير طاز ألف دينار ومن الأمير شيخون عشرة آلاف درهم وآقترض من التجار مالًا كثيرًا واشترى الخيل والمماليك والسلاح وآستخدم عدة أجناد. ورسم بسفر الأمير حسام الدين لاجين العلائي مملوك آقبغا الجاشنكير صحبته ليقلده إمرة مكة. ثم سافر الأمير طيبغا المجدي في خامس شوال بالحج والمحمل على العادة وسار الجميع إلى مكة ولم يعلم أحد خبر المجاهد صاحب اليمن حتى قدم مبشر الحافي في مستهل المحرم سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وأخبر بوصول الملك المجاهد إلى ممالك اليمن في ثامن عشر ذي الحجة من السنة الماضية وأنه استولى على ممالكه. وفي شهر ربيع الأول من سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة شرع الأمير طاز في عمارة قصره وإصطبله تجاه حمام المارقاني بجوار المدرسة البندقدارية على الشارع وأدخل فيه عدة أملاك وتولى عمارته الأمير منجك وحمل إليه الأمراء وغيرهم من الرخام وآلات العمارة شيئًا كثيرًا. وفيه شرع الأمير صرغتمش أيضًا في عمارة إسطبل الأمير بدرجك بجوار بئر الوطاويط قريبًا من الجامع الطولوني وحمل إليه الناس أيضًا شيئًا كثيرًا من آلات العمارة. ثم خلع السلطان على الأمير صرغتمش المذكور وآستقر رأس نوبة كبيرًا في رتبة الأمير شيخون باختيار شيخون وجعل إليه التصرف في أمور الدولة كلها من الولاية والعزل والحكم ما عدا مال الخاص فإن الأمير شيخون يتحدث فيه. فقصد الناس صرغتمش لقضاء أشغالهم وكثرت مهابته وعارض الأمراء في جميع أفعالهم. وأراد صرغتمش ألا يعمل شيء إلا من بابه وبإشارته فإن تحدث غيره في عزل أو ولاية غضب وأبطل ما تحدث فيه وأخرق بصاحبه. فأجمع الأمراء على استبداد السلطان بالتصرف وأن يكون ما يرسم به على لسان الأمير صرغتمش رأس نوبة. فطال صرغتمش وآستطال وعظم ترفعه على الناس فتنكرت له الأمراء وكثرت الأراجيف بوقوع فتنة وإعادة الملك الناصر حسن ومسك شيخون أو طاز وانفراد صرغتمش بالكلمة وصاروا الأمراء على تحرز وآستعداد فأخذ صرغتمش في التبرؤ مما رمي به وحلف للأمير شيخون وللأمير طاز فلم يصدقه طاز وهم به فقام شيخون بينهما قيامًا كبيرًا حتى أصلح بينهما وأشار على طاز بالركوب إلى عمارة صرغتمش فركب إليه وتصافيا. وفي هذه الأيام من سنة ثلاث وخمسين رتب الأمير شيخون في الجامع الذي أنشأه العلامة أكمل الدين محمد الرومي الحنفي مدرسًا وجعل خطيبه جمال الدين خليل بن عثمان الرومي الحنفي وجعل به درسًا للمالكية أيضًا وولى تدريسه نور الدين السخاوي المالكي وقرر له ثلاثمائة درهم كل شهر ورتب به قراء ومؤذنين وغير ذلك من أرباب الوظائف وقرر لهم معاليم بلغت في الشهر ثلاثة آلاف درهم. قلت: ذلك قبل أن تبنى الخانقاه تجاه الجامع المذكور. وفي عاشر جمادى الآخرة خلع السلطان على الأمير شيخون العمري واستقر رأس نوبة كبيرًا عوضًا عن صرغتمش لأمر اقتضى ذلك. وعند لبس شيخون الخلعة قدم عليه الخبر بولادة بعض سراريه ولدًا ذكرًا فسر به سرورًا زائدًا فإنه لم يكن له ولد ذكر. وفي هذه الأيام ادعى رجل بالقاهرة النبوة وأن معجزته أن ينكح امرأة فتلد من وقتها ولدًا ذكرًا يخبر بصحة نبوته فقال بعض من حضر: إنك لبئس النبي فقال: لكونكم بئس الأمة فضحك الناس من قوله فحبس وكشف عن أمره فوجدوا له نحو اثني عشر يومًا من حين خرج من عند المجانين. وفي يوم الأربعاء عاشر شهر رجب قدم كتاب الأمير أرغون الكاملي نائب الشام يتضمن أنه قبض على قاصد الأمير منجك الوزير بكتابه إلى أخيه بيبغا أرس نائب حلب يحسن له الحركة والعصيان. وأرسل الكتاب وإذا فيه أنه أتفق مع سائر الأمراء وما بقي إلا أن يركب ويتحرك. فآقتضى الرأي التأني حتى يحضر الأمراء والنائب إلى الخدمة من الغد ويقرأ الكتاب عليهم ليدبروا الأمر على ما يقع عليه الاتفاق. فلما طلع الجماعة من الغد إلى الخدمة لم يحضر منجك فطلب فلم يوجد وذكر حواشيه أنهم من عشاء الآخرة لم يعرفوا خبره. فركب الأمير صرغتمش في عدة من الأمراء وكبس بيوت جماعته فلم يقع له على خبر وتفقدوا مماليكه ففقد منهم آثنان فنودي عليه في القاهرة وهدد من أخفاه وأخرج عيسى بن حسن الهجان في جماعة من عرب العائذ على النجب لأخذ الطرقات عليه وكتب إلى العربان ونواب الشام وولاة الأعمال على أجنحة الطيور بتحصيله فلم يقدروا عليه وكبست بيوت كثيرة. ثم في يوم الأربعاء رابع عشرين شهر رجب قدم الخبر بعصيان الأمير أحمد الساقي نائب حماة وبعصيان الأمير بكلمش نائب طرابلس. وفي يوم السبت سابع عشرينه كتب بإحضار الأمير بيبغا أرس نائب حلب إلى الديار المصرية وكتب ملطفات لأمراء حلب تتضمن أنه: إن آمتنع من الحضور فهو معزول ورسم لحامل الكتاب أن يعلم بيبغا أرس بذلك مشافهة بحضرة أمراء حلب. فقدم البريد من الشام بموافقة ابن دلغادر لبيبغا أرس وأنه تسلطن بحلب وتلقب بالملك العادل وأنه يريد مصر لأخذ غرمائه وهم طاز وشيخون وصرغتمش وبزلار وأرغون الكاملي نائب الشام. فلما بلغ ذلك السلطان والأمراء رسم للنائب بيبغا ططر حارس الطير بعرض أجناد الحلقة وتعيين مضافيهم من عبرة أربعمائة دينار الإقطاع فما فوقها ليسافروا. ثم قدم البريد بأن قراجا بن دلغادر قدم حلب في جمع كبير من التركمان فركب بيبغا أرس وتلقاه وقد واعد نائب حماة وطرابلس على مسيره أول شعبان إلى نحو الديار المصرية وأنهم يلقوه على الرستن. فأمر السلطان الأمير طقطاي الدوادار بالخروج إلى الشام على البريد وعلى يده ملطفات لجميع أمراء حلب وحماة وطرابلس فسار طقطاي حتى وصل دمشق وبعث بالملطفات إلى أصحابها فوجد أمر بيبغا أرس قد قوي ووافقه النواب والعساكر وابن دلغادر بتركمانه وحيار بن مهنا بعربانه. فكتب نائب الشام بأن سفر السلطان لا بد منه وإلا خرج عنكم الشام جميعه. فآتفق رأي أمراء مصر على ذلك وطلب السلطان الوزير علم الدين عبد الله بن زنبور ورسم له بتهيئة بيوت السلطان وتجهيز الإقامات في المنازل فذكر أنه ما عنده مال لذلك فرسم له بقرض ما يحتاج إليه من التجار فطلب تجار الكارم وباعهم غلالًا من الأهراء بالسعر الحاضر وعدة أصناف أخر وكتب لمغلطاي بالإسكندرية وأخذ منه أربعمائة ألف درهم وأخذ من النائب مائة ألف درهم قرضًا ومن الأمير بلبان الأستادار مائة ألف درهم فلم يمض أسبوع حتى جهز الوزير جميع ما يحتاج إليه السلطان. وخرج الأمير طاز في يوم الخميس ثالث شعبان ومعه الأمير بزلار والأمير كلتاي والأمير فارس الدين ألبكي. ثم خرج الأمير طيبغا المجدي وابن أرغون النائب وكلاهما مقدم ألف في يوم السبت خامس شعبان. وخرج الأمير شيخون العمري في يوم الأحد سادسه بتجمل عظيم. فبينما الناس في التفرج على طلبه إذ قيل قبض على منجك اليوسفي. وهو أن الأمير طاز لما رحل ووصل إلى بلبيس قيل له: إن بعض أصحاب منجك صحبة شاورشي مملوك قوصون فطلبهما الأمير طاز وفحص عن أمرهما فرابه أمرهما فأمر بالرجل ففتش فإذا معه كتاب منجك لأخيه بيبغا أرس يتضمن أنه قد فعل كل ما يختاره وجهز أمره مع الأمراء كلهم وأنه أخفى نفسه وأقام عند شاورشي أيامًا ثم خرج من عنده إلى بيت الحسام الصقري أستاداره وهو مقيم حتى يعرف خبره وهو يستحثه على الخروج من حلب. فبعث به طاز إلى الأمير شيخون فوافى الأطلاب خارجة فطلب شيخون الحسام الصقري وسأله فأنكر فأخذه الأمير صرغتمش وعاقبه. ثم ركب إلى بيته بجوار الجامع الأزهر وهجمه فإذا منجك ومملوكه فأخذه صرغتمش وأركبه مكتوف اليدين إلى القلعة فسير من وقته إلى الإسكندرية فحبس بها. ثم ركب السلطان الملك الصالح من قلعة الجبل في يوم الإثنين سابع شعبان في بقية الأمراء والخاصكية ونزل إلى الريدانية خارج القاهرة وخلع على الأمير قبلاي باستقراره نائب الغيبة ورتب أمير علي المارديني أن يقيم بالقلعة ومعه الأمير كشلي السلاح دار ليقيما داخل باب القلة ويكون على باب القلعة الأمير أرنان والأمير قطلوبغا الذهبي ورتب الأمير مجد الدين موسى الهذباني مع والي مصر لحفظ مصر. ثم استقل السلطان بالمسير من الريدانية في يوم الثلاثاء بعد الظهر. وقدم البريد بأن الأمير مغلطاي الدوادار خرج من دمشق يريد مصر وأن الأمير أرغون الكاملي نائب الشام لما بلغه خروج بيبغا أرس بمن اجتمع معه من العساكر عزم على لقائه فبلغه مخامرة أكثر أمراء دمشق فاحترس على نفسه وصار يجلس بالميدان وهو لابس آلة الحرب. ثم اقتضى رأي الأمير مسعود بن خطير أن النائب لا يلقى القوم وأنه ينادي بالعرض للنفقة في منزلة الكسوة ويركب إليها فإذا خرج العسكر إليه بمنزلة الكسوة منعهم من عبورهم إلى دمشق وسار بهم إلى الرملة في انتظار قدوم السلطان وأنه استصوب ذلك وفعله وأنه مقيم بعسكر دمشق على الرملة وأن الأمير ألطنبغا برناق نائب صفد سار إلى بيبغا أرس وأن بيبغا أرس سار من حلب إلى حماة واجتمع مع نائبها أحمد الساقي وبكلمش نائب طرابلس وسار بهم إلى حمص وعند نزوله على حمص وصل إليه مملوكا الأمير أرقطاي بكتاب السلطان ليحضر فقبض عليهما وقيدهما وسار يريد دمشق فبلغه مسير السلطان واشتهر ذلك في عسكره وأنه عزل عن نيابة حلب فانحلت عزائم كثير ممن معه من المقاتلة وأخذ بيبغا أرس في الاحتفاظ بهم والتحرز منهم إلى أن قدم دمشق يوم الخميس خامس عشرين شهر رجب فإذا أبواب المدينة مغلقة والقلعة محصنة. فبعث بيبغا أرس إلى الأمير إياجي نائب قلعتها يأمره بالإفراج عن قردم وأن يفتح أبواب المدينة ففتح أبواب المدينة ولم يفرج عن قردم. فركب الأمير أحمد الساقي نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس من الغد ليغيرا على الضياع فوافى بعض عسكر بيبغا أرس نجابًا يخبر بمسك منجك ومسير السلطان من خارج القاهرة. وعاد أحمد وبكلمش في يوم الإثنين رابع عشر شعبان وقد نزل طاز بمن معه المزيرب فارتج عسكر بيبغا أرس وتواعد قراجا بن دلغادر وحيار بن مهنا على الرحيل فما غربت الشمس إلا وقد خرجا بأثقالهما وأصحابهما وسارا. فخرج بيبغا أرس في أثرهما فلم يحركهما وعاد بكرة يوم الثلاثاء فلم يستقر قراره حتى دقت البشائر بقلعة دمشق بأن الأمير طاز والأمير أرغون الكاملي نائب دمشق وافيا دمشق وأن الأميرشيخون والسلطان ساقة فبهت بيبغا أرس وتفرق عنه من كان معه فركب عائدًا إلى حلب في تاسع عشر شعبان فكانت إقامته بدمشق أربعة وعشرين يومًا أفسد أصحابه بدمشق فيها مفاسد وقبائح من النهب والسبي والحريق والغارات على الضياع من حلب إلى دمشق وفعلوا كما فعل التتار أصحاب قازان وغيره. فبعث السلطان الأمير أسندمر العلائي إلى القاهرة بالبشارة فقدمها يوم الجمعة خامس عشرين شعبان ودقت البشائر لذلك وزينت القاهرة. وأما السلطان الملك الصالح فإنه التقى مع الأمير أرغون شاه الكاملي نائب الشام على بدعرش من عمل غزة وقد تأخر معه الأمير طاز بمن معه فدخلوا غزة وخلع السلطان على أرغون المذكور باستمراره في نيابة دمشق وأنعم عليه بأربعمائة ألف درهم وأنعم على أمير مسعود بن خطير بألف دينار وعلى كل أمراء دمشق كل واحد قدر رتبته فكان جملة ما أنفق السلطان وتقدم الأمير شيخون والأمير طاز والأمير أرغون نائب الشام إلى دمشق وتأخر الأمير صرغتمش صحبة السلطان ليدبر العسكر. ثم تبعهم السلطان إلى دمشق فدخلها في يوم الخميس مستهل شهر رمضان وخرج الناس إلى لقائه وزينت مدينة دمشق فكان لدخوله يوم مشهود. ونزل السلطان بقلعة دمشق ثم ركب منها في الغد يوم الجمعة ثانيه إلى الجامع الأموي في موكب جليل حتى صلى به الجمعة. وكان الأمراء قد مضوا في طلب بيبغا أرس. وأما بيبغا أرس فانه قدم إلى حلب في تاسع عشرين شعبان وقد حفرت خنادق تجاه أبواب حلب وغلقت. وامتنعت القلعة عليه ورمته بالحجارة والمجانيق وتبعهم الرجال من فوق الأسوار بالرمي عليه وصاحوا عليه فبات تلك الليلة بمن معه وركب في يوم الخميس مستهل شهر رمضان للزحف على مدينة حلب وإذا بصياح عظيم والبشائر تحق في القلعة وهم يصيحون يا منافقون العسكر وصل. فالتفت بمن معه فإذا صناجق على جبل جوشن فانهزموا عند ذلك بأجمعهم إلى نحو البرية. ولم يكن ما رأوه على جبل جوشن عسكر السلطان ولكنه جماعة من جند حلب وعسكر طرابلس كانوا مختفين من عسكر بيبغا أرس عند خروجه من دمشق فساروا في أعقابه يريدون الكبسة على بيبغا أرس وتعبوا على جبل جوشن فعندما رآهم بيبغا لم يشك أنهم عسكر السلطان فانهزم. وكان أهل بانقوسا قد وافقوهم وتقدموا عنهم فمسكوا المضايق على بيبغا وأدركهم العسكر المذكور من خلفهم فتمزق عساكر بيبغا أرس وقد آنعقد عليهم الغبار حتى لم يمكن أحد أن ينظر رفيقه فأخذهم العرب وأهل حلب قبضًا باليد ونهبوا الخزائن والأثقال وسلبوهم ما عليهم من آلة الحرب وغيره. ونجا بيبغا أرس بنفسه بعد أن امتلأت الأيدي بنهب ما كان معه وهو شيء يجل عن الوصف. وتتبع أهل حلب أمراءه ومماليكه وأخرجوهم من عدة مواضع فظفروا بكثير منهم فيهم أخوه الأمير فاضل والأمير ألطنبغا العلائي شاد الشراب خاناه وألطنبغا برناق نائب صفد وملكتمر السعيدي وشادي أخو نائب حماة وطيبغا حلاوة الأوجاقي وابن أيدغدي الزراق ومهدي شاد الدواوين بحلب وأسنباي قريب ابن دلغادر وبهادر الجاموس وقليج أرسلان أستادار بيبغا أرس ومائة مملوك من مماليك الأمراء فقيدوا الجميع وسجنوا. وتوجه مع الأمير بيبغا أرس أحمد الساقي نائب حماة وبكلمش نائب طرابلس وطشتمر القاسمي نائب الرحبة وآقبغا البالسي وطيدمر وجماعة أخر تبلغ عدتهم نحو مائة وستة عشر نفرًا. ثم دخل الأمراء حلب وأخذوا أموال بيبغا أرس وكتبوا إلى قراجا بن دلغادر بالعفو عن أمير أحمد نائب حماة والقبض على بيبغا أرس ومن معه فأجاب بأنه ينتظر في القبض عليه مرسوم السلطان وقد نزل بيبغا أرس عنده. وسأل إرسال أمان لبيبغا أرس وأنه مستمر على إمرته فجهز له ذلك فآمتنع من تسليمه فطلب الأمراء رمضان من أمراء التركمان وخلع عليه بإمرة قراجا بن دلغادر وإقطاعه. وعاد الأمراء من حلب واستقر بها الأمير أرغون الكاملي نائب الشام وعاد الجميع إلى دمشق ومعهم الأمراء المقبوض عليهم في يوم الجمعة سلخ شهر رمضان. وصفوا العيد بدمشق مع السلطان الملك الصالح صالح. وأقاموا إلى يوم الإثنين ثالث شوال فجلس السلطان بطارمة قلعة دمشق وأخرج الأمراء المسجونون في الحديد ونودي عليهم: أهذا جزاء من يخامر على السلطان ويخون الأيمان. ووسطوهم واحدًا بعد واحد وقد تقدم ذكر أسمائهم عند القبض عليهم فوسط الجميع ما خلا ملكتمر السعيدي فإنه أعيد إلى السجن. وخلع السلطان على أيتمش الناصري واستقر في نيابة طرابلس عوضًا عن بكلمش السلاح دار. وخلع على طنيرق بنيابة حماة عوضًا عن أحمد الساقي وعلى الأمير شهاب الدين أحمد بن صبيح بنيابة صفد عوضًا عن ألطنبغا برناق. ثم صلى السلطان صلاة الجمعة بالجامع الأموي وهو سابع شوال وخرج من دمشق يريد الديار المصرية بأمرائه وعساكره فكانت مدة إقامته بدمشق سبعة وثلاثين يومًا. وسار حتى وصل القاهرة في يوم الثلاثاء خامس عشرين شوال من سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ومشى بفرسه على الشقق الحرير التي فرشت له بعد أن خرج الناس إلى لقائه والتفرج عليه فكان لدخوله القاهرة أمر عظيم لم يتفق ذلك لأحد من إخوته. وعندما طلع إلى القلعة تلقته أمه وجواريه ونثروا على رأسه الذهب والفضة بعد أن فرشت له طريقه أيضًا بالشقاق الأطلس الملونة والتهاني تزفه ولم يبق بيت من بيوت الأمراء إلا وفيه الأفراح والتهاني. وفي قدوم السلطان الملك الصالح يقول العلامة شهاب الدين أحمد بن أبي حجلة التلمساني الحنفي تغمده الله برحمته: الصالح الملك المعظم قدره تطوى له أرض البعيد النازح لا تعجبوا من طيها في سيره فالأرض تطوى دائمًا للصالح ثم عمل السلطان عدة مهمات بالقلعة والقصر السلطاني وخلع على جميع الأمراء وأرباب الوظائف. ثم قبض على الوزير علم الدين عبد الله بن أحمد بن زنبور وهو بخلعته قريب المغرب. وسبب ذلك أنه لما فرقت التشاريف على الأمراء غلط الذي أخذ تشريف الأمير صرغتمش ودخل إليه بتشريف الأمير بلبان السناني الأستادار فلما رآه صرغتمش تحرك ما عنده من الأحقاد على ابن زنبور المذكور وتنفر غضبًا وقام من فوره ودخل إلى الأمير شيخون وألقى البقجة قدامه وقال: انظر فعل الوزير معي وحل الشاش وكشف التشريف. فقال شيخون: هذا وقع فيه الغلط: فقام صرغتمش وقد أخذه من الغضب شبه الجنون وقال: أنا ما أرضى بالهوان ولا بد من القبض عليه ومهما شئت فافعل بي. وخرج فصادف ابن زنبور داخلًا إلى شيخون وعليه الخلعة فصاح في مماليكه خذوه. ففي الحال نزعوا عنه الخلعة وجروه إلى بيت صرغتمش فسجنه في موضع مظلم من داره وعزل عنه ابنه رزق الله في موضع آخر. وكان قبل دخوله إلى شيخون رتب عدة مماليك على باب خزانة الخاص وباب النحاس وباب القلعة وباب القرافة وغيره من المواضع وأوصاهم بالقبض على حاشية ابن زنبور وجميع الكتاب بحيث لا يدعوا أحدًا منهم يخرج من القلعة. فعندما قبض على ابن زنبور ارتجت القلعة وخرجت الكتاب فقبضت مماليك صرغتمش عليهم كلهم حتى على شهود الخزانة وكتابها وكتاب الأمراء الذين بالقلعة. واختلطت الطماعة بمماليك صرغتمش وصاروا يقبضون على الكاتب ويمضون به إلى مكان ليعروه ثيابه فإن آحترموه أخذوا مهمازه من رجله وخاتمه من إصبعه أو يفتدي نفسه منهم بمال يدفعه لهم حتى يطلقوه وفيهم من اختفى عند الغلمان فقرروا عليه مالًا واسترهنوا دواته بحيث إن بعض غلمان أمير حسين أخي السلطان جمع ست عشرة دواة من ستة عشر كاتبًا وأصبح يجبيهم ويدفع لهم أدويتهم. وذهب من الفرجيات والعمائم والمناديل شيء كثير. وساعة القبض على ابن زنبور بعث الأمير صرغتمش الأمير جرجي والأمير قشتمر في عدة من المماليك إلى دور ابن زنبور بالصناعة بمدينة مصر وأوقفوا الحوطة على حريمه وختموا بيوته وبيوت أصهاره وكانت حرمهم في الفرح وعليهن الحلي والحلل وعندهن معارفهن. فسلب المماليك كثيرًا من النساء اللاتي كن في الفرح ووقفوا حتى مكنوهن من الخروج إلى دورهن فخرج عامة نساء ابن زنبور وبناته ولم تبق إلا زوجته فوكل بها وكتب إلى ولاة الأعمال بالوجه القبلي والوجه البحري بالحوطة على ماله وزراعته وماله من القنود والدواليب وغيرها وخرج لذلك عدة من مقدمي الحلقة وتوجه الحسام العلائي إلى بلاد الشام ليوقع الحوطة على أمواله. وأصبح الأمير صرغتمش يوم السبت ثامن عشرين شوال فأخرج ابن الوزير ابن زنبور رزق الله بكرة وهدده ونزل به من داره من القلعة إلى بيته وأخذ زوجة ابن زنبور أيضًا وهددها وألقى ابنها رزق الله إلى الأرض ليضربه فلم تصبر ودلته على موضع المال فأخذ منه خمسة عشر ألف دينار وخمسين ألف درهم وأخرج من بئر صندوقًا فيه ستة آلاف دينار ومصاغ ووجد له عند الصارم مشد العمائر ستة آلاف دينار ومائة وخمسين ألف درهم سوى التحف والتفاصيل وثياب الصوف وغير ذلك. وألزم محمد ابن الكوراني والي مصر بتحصيل بنات ابن زنبور فنودي عليهن ونقل ما في دور صهري ابن زنبور وسلما لشاد الدواوين وعاد صرغتمش إلى القلعة. فطلب السلطان جميع الكتاب وعرضهم فعين موفق الدين هبة الله ابن إبراهيم للوزارة وبدر الدين كاتب يلبغا لنظر الخاص وتاج الدين أحمد بن الصاحب أمين الملك عبد الله بن الغنام لنظر الجيش وأخاه كريم الدين لنظر البيوت وابن السعيد لنظر الدولة وقشتمر مملوك طقزدمر لشد الدواوين. وفي يوم الأحد تاسع عشرين شوال خلع على الجميع وأقبل الناس إلى باب صرغتمش للسعي في الوظائف فولى الأسعد حربة آستيفاء الدولة وولى كريم الدين أكرم ابن شيخ ديوان الجيش. وسلم الأمير صرغتمش المقبوض عليهم لشاد الدواوين وهم: الفخر ابن قروينة ناظر البيوت والفخر بن مليحة ناظر المجيزة والفخر مستوفي الصحبة والفخر بن الرضي كاتب الإسطبل وابن معتوق كاتب الجهات وطلب التاج بن لفيتة ناظر المتجر وناظر المطبخ وهو خال ابن زنبور فلم يوجد وكبست بسببه عدة بيوت حتى أخد. وصار الأمير صرغتمش ينزل ومعه ناظر الخاص وشهود الخزانة وينقل حواصل ابن زنبور من مصر إلى حارة زويلة فأعياهم كثرة ما وجدوه له وتتبعت حواشي ابن زنبور وهجمت دور كثيرة بسببهم. ثم في مستهل ذي القعدة نزل الأمير صرغتمش إلى بيت ابن زنبور بالصناعة وهدم منه ركنًا فوجد فيه خمسة وستين ألف دينار حملها إلى القلعة وطلب ابن زنبور وضربه عريانًا فلم يعترف بشيء فنزل إلى بيته وضرب ابنه الصغير وأمه تراه في عدة أيام حتى أسمعته كلامًا جافيًا فأمر بها فعصرت. وأخذ ناظر الخاص في كشف حواصل ابن زنبور بمصر فوجد له من الزيت والشيرج والنحاس والرصاص والكبريت والعكر والبقم والقند والعسل وسائر أصناف المتجر ما أذهله فشرع في بيع ذلك كله. هذا والأمير صرغتمش ينزل بنفسه وينقل قماش ابن زنبور وأثاثه إلى حارة زويلة ليكون ذخيرة للسلطان فبلغت عدة الحمالين الذين حملوا النصافي والأواني الذهب والفضة والبلور والصيني والكتب والملابس الرجالية والنسائية والزراكش واللآلئ والبسط الحرير والمقاعد ثمانمائة حمال سوى ما حمل على البغال. وكان ما وجد له من أواني الذهب والفضة ستين قنطارًا ومن الجواهر ستين رطلًا ومن اللؤلؤ الكبار إردبين ومن الذهب الهرجة مائتي ألف دينار وأربعة آلاف دينار وقيل ألف ألف دينار ومن الحوائص الذهب ستة آلاف حياصة ومن الكلفتاة الزركش ستة آلاف كلفتاه ومن ملابسه عدة ألفين وستمائة فرجية ومن البسط ستة آلاف بساط ومن الشاشات ثلاثمائة شاش ووجد له من الخيل والبغال ألف رأس ودواب حلابة ستة آلاف رأس ومن معاصر السكر خمس وعشرون معصرة ومن الإقطاعات سبعمائة إقطاع كل إقطاع متحصله خمسة وعشرون ألف درهم في السنة ووجد له مائة عبد وستون طواشيًا وسبعمائة جارية وسبعمائة مركب في النيل وأملاك قومت بثلاثمائة ألف دينار ورخام بمائتي ألف درهم ونحاس بأربعة آلاف دينار وسروج وبدلات عدة خمسمائة ووجد له آثنان وثلاثون مخزنًا فيها من أصناف المتجر ما قيمته أربعمائة ألف دينار ووجد له سبعة آلاف نطع وخمسمائة حمار ومائتا بستان وألف وأربعمائة ساقية وذلك سوى ما نهب وما آختلس على أن موجوده بيع بنصف قيمته. ووجد في حاصل بيت المال مبلغ مائة ألف وستون ألف درهم وبالأهراء نحو عشرين ألف إردب: وهذا الذي ذكرناه محرر عن الثقات. وأما غيرنا فذكر له أشياء كثيرة جدًا أضربنا عن ذكرها خوف المجازفة. وكان ابتداء أمر ابن زنبور أنه باشر في آستيفاء الوجه القبلي فنهض فيه وشكرت سيرته إلى أن عرض الملك الناصر محمد بن قلاوون الكتاب ليختار منهم من يوليه كاتب الإسطبل وكان ابن زنبور هذا من جملتهم وهو شاب فأثنى عليه الفخر ناظر الجيش وساعده الأكوز والنشو فولي كاتب الإسطبل عوضًا عن ابن الجيعان فنالته فيها السعادة. وأعجب به السلطان لفطنته فدام على ذلك حتى مات الناصر فآستقر مستوفي الصحبة ثم آنتقل عنها إلى نظر الدولة. ثم ولي نظر الخاص بعناية الأمير أرغون العلائي ثم أضيف إليه نظر الجيش وجمع بعد مدة إليهما الوزارة ولم تتفق لأحد قبله هذه الوظائف. قلت: ولا بعده إلى يومنا هذا أعني لواحد في وقت واحد. وعظم في الدولة ونالته السعادة حتى إنه كان يخلع عليه في ساعة واحدة ثلاث خلع ويخرج له ثلاث أفراس ونفذت كلمته وقويت مهابته وأتجر في جميع الأصناف حتى في الملح والكبريت. ولما صار في هذه الرتبة كثرت حساده وسعوا فيه عند صرغتمش وأغروه به حتى كان من أمره ما كان. وكان يقوم بكلف شيخون جميعها من ماله وصار صرغتمش يسمع شيخون بسببه الكلام ويقول: لو مكنتني منه أخذت منه للسلطان ما هو كيت وكيت وشيخون يعتذر له ويقول: لا يوجد من يسد مسده وإن كان ولا بد يقرر عليه مال ويستمر على وظائفه وبينما هم في ذلك قدم الخبر بعصيان بيبغا أرس فاشتغل صرغتمش عنه حتى سافروا وعادوا إلى القاهرة ووقع من أمر الخلعة ما حكيناه.
|